Apr 12, 2010

لبيروت


تستيقظين يا سيدة الحبق و الياسمين، رائحة البارود تلتصق بهدبيك،

تستيقظين يا سيدة اللحن الرقيق يمزّق الرصاصُ صوتَ آذانٍ و قرعَ أجراسٍ و يَسكُنك صوتُ الأنين.

شتاءٌ هزيلٌ يغسل مواضعَ جرحكِ، يتقاسمونك بيروت لكنأكِ فاجرة متواطئة... يتبادلونك يا سيدة التسامح و لا يعرفون أن من تحمل في قلبها أسرار ابنائها لا تكون سوى ملك نفسها.

يا بيروت عانقيني انا المحتاجة اليكِ، في جراحك عانقيني أنزفيني حبراً و دمعاً، أنزفيني دماً يثور لك بيروت يا شبابيك الوطن و بوابة العبور الى جسدي... و كوني أنتِ يا بيروت الهة متوّجة و إن توّجوك لحين بطوق ٍ من شوكٍ و نار، ضمي أبناءك بيروت و لو مزّقوا صدرك أيا أماً و امنحيهم مغفرة.

قد عادت كوابيسُ قديمة لتحاصر ليلكِ، أعَدّوا لكِ فراشَ النزيفِ فلا تذهبي الى النوم بيروت و لا تدعي الخائفين منك يلطخون جسدك المرمري بوشم التملك.

جنازاتٌ تعبر... موتٌ آخر يعبر... مواكب الحزن و الغضب تعبر... مواكب الفرح تعبر أيضاً من هنا كما مواكب العَزل تعبر و تقفل الدروب من خلفها.

و انت تراقبين بصمتٍ، تنثرين الورود على النعوش تقبّلين آثاراً خلّفها الشهداءُ و مضوا و تحرسين أحلامَ من لا يعرفوا سبيل النوم، تتلقفين الرصاص بصدرك و تصمتين لا يَعرف جرحَك سوى أسراب مهاجرة الى سماء ٍ أخرى. حتى السماء هنا تدير وجهها عنكِ لأن الوجع أكبر من ان تحتويه، فهل من وطنٍ ينتصر لك بيروت أم ان الوطن ايضاً هَجَرك أيا بيروت.

يقتلونك؟ بل ينتحرون فيك يا من تعوّدت الرقص حافية على جمر الجرح.

علّمينا بيروت كيف ننفي الفتن، صلّي لنا يا قدّيسة المحبة لكي في ترابك ندفن مكرنا و من ترابك نخرج اليك معمّدين.

قومي يا سيدة العزم... قومي يا أنثى البِدء... يا حارسةَ الأفق يا جنون التفرّد يا جميلةً مختالةً يا غزالة الزمن الذي يجري في عروقي و لا تتوقفين... قومي يا معشوقة الدهر يا عاشقة البحر، قوافلُ الشِعر تحجُّ اليك من صحراء الغياب عنك فلا تردّي من جاء يحمل اليك طوقَ غارٍ و ملحَ الشفاء من كل جرح أليم.

و لا تستلقين هكذا كجثة هامدة، جميلة و مبتسمة، كجثة متصالحة مع موتها، جميلة و مبتسمة، كجثة تحمل شمعة صلاتها و ترحل بعيداً و لا تبالي بما تترك خلفها و لا يعرف سرها سواها... لا تنسلّين بصمت من نومك الى الموت و لا تتعوّدين هذا المشهد الحزين.

غداً يقبّل هدبيك فجرٌ جديد جاء اليك محمّلاً على أكُفّ شعب أبيّ.

غداً يداوي الزبدُ ما افتعلَته الأيدي الغاصبة و هناك على الشاطئ الأزلي تغتسلين بيروت من جميع خطايانا.

في هذا الرماد يتساقطون، فوق ثلج أسود يعبرون و خلف بوابة النسيان يرحلون و لا يكتب التاريخ سوى اسمكِ أنتِ يا سيدة الحرية التي لا تموت.

غداً يعود صباحُك يا بيروت.

No comments:

Post a Comment